الاثنين، 12 مارس 2012

في رحاب أفرودايت !!


في رحاب أفرودايت


على كرسي بلا مساند يعود إلى الأسلاف في قطار يعود هو الآخر إلى الأسلاف أجلس متجهاً إلى الفيوم كي أصافح أزمنة أصيلة و ألتمس الهدى في سلسلة لا تنقطع من أبناء قريتي الذين يحملون بين ضلوعهم بوصلة الحكمة .
هنا في هذه العربة من هذا القطار تفوح رائحة غير مريحة ؛ بطلها بلاص المش المرابط بجواري برفقة احد إخواننا الفلاحين ، يسرع الطريق فلا أجد في ذاكرتي أي عزاء في رائحة المش التي أكرهها ؛لا شيء يغري الذاكرة بالتزحلق عبر وداينها ..
يسرع الطريق فأغمض عيناي سابحاً في بحر من الأفكار الحميدة وغير الحميدة ؛ يبسط النوم عليّ سلطانة المثير فتنشق جدران أوهامي عن إمرأة غاية في الفتنة والسحر  كما انشق الحائط عن الشيطان من قبل للعلامة فوسط .
-        من أنتي أيتها الفاتنة الساحرة ؟؟
-        ألا تدلك هيأتي على من أكون ؟
-        لا .. أعذريني فقد نمت على رائحة تعطل الفكر تماماً .
-        أنا من تبحث عنه كل النساء .
-        إن النساء تبحثن عن كثير ؛ عن المال و العشق و الجمال و إلخ ..
-        إذن ؛ أنا من تبحث عنه كل النساء ويقدسه كل الرجال .
-        إن من الرجال الزاهد الذي لا يسعى لمال و منهم من ذاق العشق وذمه .
-        إذن ؛ فمن أكون ؟؟
-        أنتي الجمال !! ... نعم نعم .. إن هيئتك تدل على أنك الجمال .
-        آله من فضلك .. أنا آله الجمال .. أنا أفرودايت العظيمة .
-        أهلاً وسهلاً .. يبدوا أن الآلهة رفقت بمعاناتي من رائحة المش الرهيبة .
-        ماذا تقول ؟؟!!
-        لا عليكي ،أنا أهذي فرحاً ؛ ولكن ما الذي جاء بكِ يا أفرودايت العظيمة.
-        في الحقيقة لقد سمعت أنك تُحسن الإطراء و تٌقدر الجمال وقد جئت كي أسمع من إطرائك ما يسرني .
-        سمعتِ ممن ؟؟ هل قرأت لي آلهة اليونان !!
-        ليس شئنك ؛ فقط أسمعني من إطرائك يا رجل .
-        وما المقابل يا أفرودايت العظيمة ؟
-        ألا يكفيك أني أخرجتك من كابوس المش المرير ؟
-        لا ؛ فأنا مصري وقد تعودت على هذه الرائحة الوطنية الشهيرة .
-        يالا وقاحتك ! هل تطلب من الآلهة مقابل ؟ ماذا تريد أيها المتواقح ؟
-        قُبلة .
-        قبلة !! تقف في رحاب الألهة المقدسة وتطلب قبلة دنيئة !!
-        عذراً ؛ ولكن هذه قوانيني يا أفرودايت العظيمة و أنتي الآن في ملعبي .
-        لا ؛ لن أتواقح مثلك ولن أهبط إلى هذا المستوى .
-        عموماً الأمر  إليكي .
-        إذن ؛ لن تمدحني وتطريني ؟؟
-        لماذا أطريك وأمدحك ولستِ أجمل من رأت عيناي ثم إنك لن تعطيني مقابل تعبي وجهدي في صياغة الكلمات اللعوب .
-        لستُ أجمل من رأت عيناك !! كيف وأنا التي أمنح الجمال و أمنعه ومعه أمنح روح الحياة لمن أشاء؟
-        إن القلم الألهي هو الذي أبدع وصور و أفتن ؛ فمنح هذه هيئة مشرقة وألبس أخرى هيئة سعفاء قبيحة ؛ وكلتاهما صورة من صور حكمة الله وكلتاهما جائت إلى الحياة بمعنى يمنحها الروح وليس هذا دورك أنتِ .
-        لكني أنا مقياس المفاضلة بين النساء عند الرجال أيها المتمرد على الآلهة .
-        إن ذلك من فساد طبعنا نحن الرجال ؛ فقد سخطنا القبح فأحلناه فساداً و عبدنا الجمال فأحلناه إلهاً .
-        أفترى القبيحة الشهواء كالتي أُلبست من آيات الجمال سواءاُ بسواء ؟؟!!
-        أما إن الذي جعل القبيحة باطلاً عندي لجاعلها حقاً عند سواي ؛ فكم قدرت الآن من جميلات بعدما رأيت حال آلهة الجمال المتواضعة في جمالها .
-        نعم !! تعني أنك تعرف جميلات أجمل من الجمال نفسه ؟
-        لا ؛ أنا أقول إنهن أجمل من آلهة الجمال ولسن أجمل من الجمال ؛ بل إن من نساء عصرنا من هن معروفات بجمالهن أكثر منكِ أنت .
-        وكيف ذاك أيها المتحزلق ؟
-        إن الفيس بوك قد منح النساء فرصة الأنتشار ؛ أما أنتي فكنتي حبيسة المعابد ومعبودة الكُهان ، ثم حبيسة الكتب والأساطير أيتها الخائنة .
-        خائنة !! لقد بلغت المدى أيها المغرور ...من تظن نفسك حتى تفتري الكذب.
-        أنا لاأفتري الكذب ؛ألم تخوني هيفايستوس إله النار وهو الصانع المفتان، وباني بروج أوليمبوس الإثني عشر،وصانع أسلحتهم، وهو الذي فلق رأس زيوس لتخرج منه أثينا بكامل قوتها وزينتها . وملتِ إلى أخيه الجميل آرس ؟
-        حتى هذا قد عرفته ؟كنت أظن أن التاريخ سينسى هذا الحدث من ذاكرته
-        ليس أمامك إلا حساب على الفيس بوك ؛ وحده يجعل المرأة عذراء أمام العالم كله بكبسة زر في البروفايل فيحذف كل ماضيها.
-        إذن أرجوك ساعدني .. ساعد أفرودايت العظيمة ولك كل ما تريد ..
-        أولاً قُبلة ، وثانياً  أن تتخلي عن وصفك لنفسك بالعظيمة .
-        حسناً ؛لك كل ما تريد .. ساعد أفرودايت الحقيرة المذنبة ولك قبلة .
-        ليس الآن و إن شئتِ الحقيقة .. لن أساعدك ولن آخذ منك قبلة لأني ما طلبتها في البداية إلا فرحاً و ما طلبتها ثانيةً إلا إمعاناً في إذلالك أيتها المغرورة وحتى أثبت لنفسي أن جمال المرأة الفاتن ربما يُضفي عليها من معاني الكبر والغرور ما يجعلها منبوذة الجماهير لا معبودة الجماهير و أن لكل النساء كليلة مفتاح يصل به الرجل إلى ما يريده منها .. فأنا أهنتك و قبحتك حتى أُذلكِ لما تكبرتي ولو أنكِ تواضعتي ما طلبتُ صغارك .. عودي من حيث أتيتِ وعيشي زمانك و خوني ثانيةً ولعل ما حدث بيننا يكون عبرة لمن كان له قلب وعقل .
ثم تداعى الحوار بيني وبين أفرودايت على يد أخينا صاحب بلاص المش وهو يأُزني أزاً ويصرخ في أذني :
" اصحى يا استاذ انت نمت ولا ايه ، الكمسري بيعدي على التذاكر "
لعنة الله على القطار و على التذاكر وعلى المش ؛ فقد تركت وجه أفرودايت وعطرها لأصحوا على وجه أخينا ورائحة مشه التي سرعان ما ذكرتني بها رائحة الهواء الراكد في القطار .
أحمل حقائبي و أرحل و ترحل أفرودايت ويرحل المش ويبقى الجمال قيمة تُدخل السرور على كل القلوب وتبقى مقولة أفرودايت العظيمة :
 أنا من تبحث عنه كل النساء ويقدسه كل الرجال .

أيمن فتحي علواني





الاثنين، 5 مارس 2012

الحظ العجوز !!


الحظ العجوز !
سيداتي آنساتي سادتي ...
سوف أكتب ما أريد قوله الآن دون تردد .. سوف لن أتصنّع الكلام ولن أتبهرج .. سوف أتبعثر كثيرا وسوف أكون فوضاوياً  .. سأكون كما أنا .. ولتراني أنت كما تحب ؛سافل بثياب القديسين .. أو قديس أتتبع ضوءاً يرشدني نحو السفلة .. سوف لن أراعي اللغة ولا حشمة القواعد النحوية ، وبما أننا الآن في سنة2035م وقد بدأنا عصر الديموقراطية فإن هناك شرط آخر ... سأتوقف متى ما أردت .. اتفقنا ؟!!
إذن .. فلتغلق النساء أفواههن التي لا تكف عن الثرثرة وليعتدل الرجال في مقاعدهم ؛ فالخطب كبير و المسألة عويصة ...
بصراحة .. لقد حاولت الإنتحار !!
فقد ملء اليأس نفسي بعد أن تربص بي الفشل في كل خطوة اخطوها حتى لو كانت بسيطة ؛ فشلت في أن أُهاجر و أن أعمل ما أحب أو أن أُحب ما أعمل ؛ حتى في الزواج .. فشلت ؛ ويوم قررت أن أذهب لضرب مديري الطيب في العمل لعلهم يطردونني فأتشجع وأنتحر قابلني بوجه بشوش وبشرنى بمكافاة نظراً لمجهوداتي الخارقة في تيسير العمل ويشهد الله أني لا أُيسر العمل بتاتاً ولكنها الكوسة !
ولأني أريد لموتي طقوس مثيرة ولكي أستمتع بموتي لآخر لحظة فقد قررت أن أموت غرقاً في مياة شرم الشيخ النقية حتى أستمتع بالجمال النسائي لآخر لحظة ... أعلم أنني مقبل على الموت الرهيب وأنني لا ينبغي أن أفكر في هذا ؛ولكن ماذا تقول لذكور مُطلّقين جائعين تتحرك غرائزهم بمجرد قراءة تاء التأنيث الساكنة فما بالك وهي ستتحرك فعلاً بفعل ما ستندلق عليه أبصارهم من سواعد وزنود مصرية وخليجية في مياه شرم الشيخ النقية ..؟!!
و على الشاطئ جلست أكتب وصيتي لأمي ونصيحة لأصحابي أن يلحقوا بي سريعاً ، وما كدت أشرع في القفز  حتى أبصرت رجلاً كهلاً يقف أمامي متبسماً وسألني بتطفل :
-          لماذا تود الإنتحار يا بني ؟
-          نعم ؟! ومن قال لك أني سأنتحر أيها الرجل ؟!!
-          لقد اىسترقت النظر إلى ما كتبته الآن و علمت .
-          استرقت النظر !!! إذن أنت رجل متطفل .. من سمح لك بقراءة ما أكتب ؟
-          تمهل يا بني ... إنها وظيفتي !
-          وظيفتك أن تتلصص على الناس و أن تسترق النظر ؟!
-          في الواقع لست اتلصص على كل الناس ... على أمثالك فقط !!
-          أمثالي !! ومن هم أمثالي أيها الكهل المتطفل ؟ وأرجوك أسرع فلا وقت لدي .
-          المحبطون والثائرون على حياتهم والراغبون عنها .
-          وكيف عرفت هذا أيها الشيخ ؟ إن سنك أكبر من أن تكون مخبر أمن دولة .
-          أنا الحظ يا ولدي وقد جئت كي آخذ بيدك عما أنت مقدم عليه .
-          الحظ !!  الآن !!؟ جئتني الآن و أنا مقدم على الموت ؟؟ تريد أن تنقذ نفساً من الموت فتكسب بذلك زهواً على الموت وفخراً .... على جثتي !
-          أنا معك طوال وقتك ؛ وإلا فكيف إذن تُفسر نجاحك في دراستك و زواجك القديم وعملك و المكافأة الجديدة و مديرك الطيب ؟
-          وكيف تُفسر أنت عدم عملي في مجال دراستي ثم طلاقي ثم وظيفتي المملة ؟ ثم إن ما وجدته من خير في حياتي كان محض الصدفة ولا يد لك فيه .
-          فالتكن الصدفة ؛ فالصدفة من أسمائي أيها الشاب الصغير .

-          لماذا إذن لم تجعلني في منصب كبير ومعي مال وفير و زوجة أُحبها وتحبني ؟
-          الحقيقة يا بني أن من لم يكن كفؤاً لما يناله هلك بما يناله فأنت - لو تعلم- في خير عظيم، فالحظ توفيق و اطمئنان ، ومن ثمرة الاطمئنان الرضى بما أنت فيه على كل حال ؛ فأنت إن أصبت الشئ فاطمأننت فرضيت فاستمتعت فهذا هو الحظ كله و أنت لم تفعل شيئاً من هذا كله .
-          لم أفعل شيئاً من هذا كله !!! ولكن ما أنا فيه ليست حياة ..
-          كل شيئ ما تتوهمه إلا الحياة فاسمع مني ؛الحياة هي الحياة ، والحياة هي النجاح ، وهي الحياة لا المال والحياة لا الشهوات فإنما قيمة الحياة فيما تذهب فيه لا فيما يذهب فيها يا بني .
-          أنت رجل كهل وتقول كلام فارغ ثم أني مستعجل وعندي مواعيد كثيرة ؛ فدعني أقفز فالشمس توشك أن تغرب وأنا أخاف أن أموت في الليل .
-          لن أدعك تقفز؛ لو لم أنقذك سيكون وضعي محرج للغاية يابني وأنا لي سمعتي.
-          أعدك ألا أخبر أحداً أني مت فاقد الأمل وسيء الحظ حتى لا تتلوث سمعتك أيها الحظ .. سأقول لهم إنني مت بسبب ماس كهربي وسيُصدق الناس كالعادة .
ثم دفعت الحظ جانباً و ألقيت بنفسي في الماء و بينما أنا أمارس فعل الغرق المثير إذا بيد " طرية " تسحبني إلى أعلى نحو الشاطئ من جديد بعد أن ترآئى لها غرقي ، وإذا بصاحبة اليد غادة في الجمال فقلت لها متصنعاً الدهشة :- ماذا حدث ؟
-          ماذا حدث !!؟ لقد لمحتك صدفة بين الأمواج تغرق فأنقذتك .. قل الحمد لله .
-          الحمد لله الذي أحياني على يدكِ صدفة .
وإذا بالشيخ العجوز بجانبي يقول ضاحكاً :
                ألم أقل لك... إن الصدفة من أسمائي أيها الشاب الصغير !
أيمن فتحي علواني