السبت، 12 يناير 2013

رسالة إلى العالم الآخر ..!!


رسالة إلى العالم الآخر ..


ملحوظة: الحروف شيء ، وكاتبها شيءٌ أخر ، لذلك اجعلوا لعنتاكم لا تتعدى الحروف ..

حبيبتي في العالم الآخر /
لازلت خاشعاً بالدعاء لأجلك يا عزيزتي  ..
الآن في أشهر هذا الشتاء الرديء وبعد مرور عامين وثلاثة أشهر وستة أيام بالضبط على رحيلك لازلت صورتك لا تفارق خيالي وعقلي وعيني..
أنا سيئ وغير منضبط بدونك ..؛ بالأمس كنت أمر بطريق .. ومرَّت بي من تضع عطرك العالق في ذاكرتي حينها دق قلبي بصوت مسموع والتفتُ وناديت عليكِ وكأنه لا يملك العطر سواك !!
لازلت أشتاق لكل لحظة قضيتها معك .. بل لازت أندم على كل لحظة لم أكن فيها معك .!!
الآن في هذه الساعة التي يأوي فيها كل حبيب إلى حبيبه وكل وحيد إلى فراشة قد بلغ بي الشوق منتهاه .. أشتاق لنور وجهك .. أشتاق لأن أستمتع بنظرة لهفة منك علىّ .. أشتاق لكلمة منك ولتكن ما تكون .. أشتاق لـ ....
حبيبتي .. اشتاق إليكِ
اشتاق إلى أن أضمك بين ذراعي .. أعلم أنك ستوبخينني بلطف على هذا ولكن ولا يُلام من يتمنى عناقا دافئا قبل النوم فنومي رحلة لا أعـود منها ..
ليس رحلة للموت الذي تمنيته ولازت أتمناه منذ اللحظة الأولى لرحيلك عني .. ولكنه رحلة لمزيد من الألم والمعاناة .. فغدا يومٌ جديد بدونك .. وغدا يومٌ جديد من ألم المرض الذي ألمَّ بي قبل رحيلك كما تعلمي .. نعم لازلت لا أتعاطى الدواء ولازلت أرفض كل نصائح الأطباء .. ما حاجتي إلى الحياة وأنتي لستِ فيها ؟!! لتعلمي أنه في اللحظة التي رحلتي عني هبط عليّ سلام وأحسست نفسي أني من أهل الأبدية وأنه لا حاجة بي لاستئناف المسير في هذا الحياة ..
 إني لأعتقد أن الله قد أهداني هذا المرض حتى يقربني منك في الدنيا والآخرة ! فقد عرفتك أول الأمر في المشفى كنت مريضاً  وأنتِ ممرضة رقيقة القلب تداوين ببسمتك كل متألم وبدأت قصتنا من المشفى  حين ألتقت عيوننا فتحادثوا ..
ولغة العيون بين عَين و عين عالم آخر و حديث آخر؛ سياج لا أحد يرى ما خلفه.
لكم أتمنى الآن لو أن يد الموت تكون أسرع إليّ من هذا؛ ولكن لا بأس فقضاء الله خير على كل حال .. لقد عاين الجميع امتناعي عن الدواء؛ لا من وراء حجاب بل مواجهة وتمرساً وبصراً وبصيرة وحين يرى طبيب هذا الزمان شيئا ويبصره .. فلا ينبئك آن إذن مثل خبير !
إنه ليُعنفني على هذا المعتقد !!! .. لكأنه يُعنف رجلاً مات إذ فقد هواه !!!
ليعلم أنه ليس من حقه أن يغلق عليَّ سبيلاً يقود إليكِ مهما كان هذا السبيل ومهما كان يُسيئ إلى مهارته و سمعته الكريمة.
أتذكرين  يا حبيبتي يوم أن كنتي على قيد الحياة وكانت تصيبني الأمراض بين لحظة وأخرى كأنها تُلّين عظامي للضجعة الأخيرة وحين  كنتُ أنفثُ رئتيَّ من شفتيَّ؛ حتى تخيلت أني سأفارق الحياة و طلبت منك حينها أن تقدمي لموتي حزن يليق به وألا تتركيه يمر دون التفاتة تخشع لها النفس، فوقفتي على رأسي بكل حزم وحب تطالبينني بأن أشفى لأجلك وتهدديني بأنك ستقتلين نفسك خلفي إن فاز بي الموت..!! كم كان مشهداً أنيقاً في كل شيئ .. حتى في الألم!
ها قد مرت سنوات فارقتُ أنا الموت وفارقتي أنتِ الحياة.. ها قد تبدلت الأدوار يا عزيزتي و صار عليَّ أن اٌنفّذ لأجلك ما كنتِ ستنفذينه من أجلي .. أكره الطب وكل ما يحول بيني وبينك  ... 
فقط كل ما أتمناه أن تهيئي نفسك لمقدمي .. لا تتكلفي العطور ولا الورود ولا الرياحين .. أخبري أمي أني في الطريق إليكما .. و إبدأي من الآن في فض مجالسك مع صديقاتك الراحلات .. لابد أنكِ شبعتي من مجالستهم ولابد أنكِ تعلمي أن لا أحبهم( رحمهم الله ) ولا أحب مجالستهم .!!
ابشري و بشّري كل من يحبني ..

أشعر أن نهايتي قد اقتربت و بأن حبل الوصال بيننا سيتجدد ..!!

أيمن فتحي علواني

الاثنين، 7 يناير 2013

في رحاب الأمس .!!


فيْ رِحَابِ الأْمْس
ماذا يمكن أن يجمع اليوم بالأمس ؟ أو بالأحرى ؛ ما الذي عساه يجمع بين عجزي بالأمس وقدرتي اليوم ؟
لطالما جال هذا السؤال بخاطري كلما تذكرت و عاينت عجزي عن شيء بالأمس ؛ تُرى لو سمع الأمس ما يجول بخاطري الآن حوله من أسئلة ماذا تُراه يصنع ؟ لو علم أن هؤلاء الناس جميعاً أو معظمهم ليس لهم حديث إلا عنه : لو علم أن من الناس من يستنزل عليه اللعنات لأنه كان بائساً فيه : لو علم كم من المآسي تُحكي كل لحظة على ألسن الناس والعهدة في صدق هذه المآسي على الأمس وحده : لو علم أن احترام الناس له المبني على احترام القدر لم يدم أكثر من ساعات ودقائق ثم بدأ الهمس يعلو والهمهمة ترتفع والثرثرة تدوي في طنين كطنين الذباب .
اعتقد لو أنه سمع ما يدور حوله من همز ولمز لصاح في الناس يرد غيبته : أتسمون أنفسكم بشراً أيها المتخاذلون ؟ انصرفوا أيها اللكعاء ؛ دعوا الأمس واعملوا اليوم !!
شخصياً لا أعتقد ان الأمس يمكن أن يفعل هذا أو أن يُعير هؤلاء اللكعاء أي انتباه ؛ إنه ما إن يبصرهم هكذا حتى يشخص ببصره عن أهل الأرض جميعاً فلا يكونوا في حاضرهم منه في شيء إلا حسنات رفعها و أوزار لهم حفظها .
إذن سؤالي هذا لا معنى له عند الأمس ولا قيمة ؛ إنما هو سؤال يفرضه عليّ فضولي و وقاحتي و خيالي المريض ؛ لكني رغم ذلك مُصر على معرفة جواب سؤالي من الأمس شخصياً ؛ من أجل هذا تواقحت وتصافقت و قطعت سكون الامس في خلوته بحديثي ...
-       صباح الخير أيها الأمس .
-       (ساخراً) ماذا تقول  !!
-       أقول صباح الخير !! إنها تحيتنا التي عاينتها بنفسك عند قدومك إلينا نحن معشر أهل الأرض .
-       أعرف أنها تحية : ولكنها تحية توحي ببداية اليوم ولا يليق بك أن تذكر بداية اليوم في وجه الأمس هكذا بكل صفاقة وكأنك تسخر منه .
-       عذراً عذراً ؛ لكني لم أقصد منها كل هذه الإيحاءات !!
-       ذلك أنكم قوم تجهلون قيمة الكلمة و قيمة اللحظة .
-       إذن ؛ وبكل حزن : مساء الخير أيها الأمس الجميل  .
-       ولا حتى هذه  ؛ إنها تذكرني برحيلي عنكم إلى الأبد ولحظاتي الأخيرة فيكم .
-       لقد حيرتني ؛ ماذا أفعل تحية لك و تقديراً حينما أقبل عليك ؟
-       يكفي أن تُقْبل على الأمس بوجه متجهم و قلب متتوق للغد .
-       لماذا رحلت عنا أيها الأمس ؟
-       عادي !
-       عادي !! ماذا تعني ؟!
-       أعني أني رحلت كما يرحل كل شيء وكما سيرحل كل شيء في الوجود .
-       قتل الله الفلسفة التي ملأت عقول الناس والخلق جميعا !
-       مالي أقرأ الضجر والغضب من جوابي في وجهك !
-       أسألك عن رحيلك عنا و تركك فينا كل هذه الآلام و إصرارك على إثبات عجزنا و رحيلك عنا بكل عزيز وحبيب فأرجوك لا تجيبني بهذه الفلسفة القاتلة .
-       ويا عجباً للناس ؛ كأنكم ملكتم أعماركم و ضمنتم لأنفسكم دولتي الليل و النهار؛ فلا تفكرون إلا في زاد الدهر و الحياة المتطاولة و لا ترتابون في أنكم تعيشون عمراً واحداً محدود ومع ذلك تمنون أنفسكم بأحلام تفنى فيها أعمار كثيرة ؛ تلك مهمتي فيكم أن أخرج من بينكم أو تخرجون أنتم مني ومنكم القانع ومنكم الضاجر .
-       تلك هي رسالتك في الحياة أيها الأمس !!؟
-       نعم ؛ وأن أخرج منكم بحسناتكم وسيئاتكم و أن أحمل إلى رحابي بعض أحبابكم حتى أحتفظ لنفسي بذكرى في عقول الأحياء منكم .
-       ماذا تقصد ؟!!
-       أقصد أنكم لن تذكروني و تذكروا تاريخي إلا بموت فلان و قتل فلان لفلان و عجزكم عن شيء في تاريخي : أفلا ترى أني إن رحلت عنكم بلا آثار فإنكم لن تذكروني و لن يبقى ذكرى في صفحات تاريخكم معشر البشر ؟
-       لكن ذكرك في قاموس أكثرنا كُتب بحروف أشد سواداً من قبعة الكاهن و بمداد دموع الثكالى والعاجزين .
-       فلتجفف النساء دموعهن الغالية وحذار أن يُتلفن هدباً واحداً من أهدابهن الجميلة ؛ فالحياة كلها لا تساوي هُدباً واحداً من أهدابهن الرقيقة ؛ أنا أعلم أنه لولا جلال القدر ورهبته لألقيتم علىّ نعالكم ذات الكعوب العالية وغير العالية .
-       ذلك أنك أيها الأمس لم تعاين هَمّ من يحس ويرى كيف يموت العزيز وكيف يتحول أحلى ما في حياته من أماني و أحلام إلى ذكرى .
-       لأنكم نسيتم أن سنة الله فيكم ماضية و أمر الله لابد واقع و الموت من أوامر الله .
-       لكنك كنت قاسياً ولم تمهل رغبتي في السعادة وتلك أيضاً رسالتي أنا في الحياة .
-       رسالتك أن تعيش و تُمني نفسك بشهوات الحياة تريد أن تجمعها بين معطفك كمن يريد أن يغترف بحراً بكأس !!
-       لا ؛ بل رسالتي أن أبني لنفسي مجداً ولا مجد لمن ليس له مال وحين أملك المجد أكون في أهل الأرض الألف و الباء وتكون كلمتي في الناس - ولو بظلم - هي القضاء وبالمال أملك سعادة نفسي .
-       إذا كنت  تعتقد أن المال كان سبيلك للسعادة  في رحابي فأنت واهم .
-       بل السعادة كل السعادة في مِلاك الأشياء مجتمعة ولا يكون ذلك إلا للغني ؛ فيجعله غناه بالأشياء ملكاً لغده و ليومه و ملكاً على الناس يقهرهم .
-       إن لم يكن الغني من الناس يواسيهم ويسعفهم ويتخذ من المال سبيلاً إلى قلوبهم بالمساعفة والإحسان ويأخذ لنفسه بقدر ما لها و يعطي منها بقدر ما عليها ولم يكن ذهبه عند دموع البائسين و اسمه في دعوات المحتاجين فلا قيمة له عندي وعليه من لعنات الله والملائكة والناس أجمعين ما يرافقه أيما منقلب ينقلب .
-       إنما طلبت المال في رحابك لأملك كل المتع ولأستجلب ما لم أجده في فقري .
-       أوليس في الأرض غير المال ما يمكن أن يُستلذ به ، وأين تلك السوق التي يبتاع منها المريض العافية والحزين مسرة والهرِم شباباً والميت رجعة أخرى ؟؟
-       يبدوا أني أخطأت حين أقبلت عليك بأحلامي و أمانيَّ ؛ لقد نسيت أنك لست مهداً للأحلام وإنما قبراً يقبرها , إنه لا أمل فيك ولا رجاء .
-       إنما أنا خطوة منك على طريق نهايتك فليست الأيام معنى حياتك وهدفها كي تسعي إليها هكذا ممنياً نفسك بوهم الخلود .
-       إنما الحياة كل الحياة لي ، والمجد كل المجد لي ، والسعادة كل السعادة لطويلي الأمال أمثالي رغم أنفك أيها الفقيد المُسجى .
-       ماذا تقول ! هل هذا سب !!
-       بل سخرية منك أيها الفقيد لأنك تتمثل الآن دور الناصح الحكيم المتواضع بعد رحيلك ولو أني حدثتك في حياتك لملأت نفسي أملاً ومُتعاً ومن ثَمْ ..سعادةً .
-       لو أن السعادة مما تنبت الأرض و تسقي السماء أمام ناظريك ما كانت حينها أيضاً إلا بأمر من الله وقدر ؛وقدر الله ألا سعادة إلا للقانعين الذين لا يزيدون في أحلامهم عن غايتهم في إرضاء الله .
-       (ساخراً) وأين بقية الأحلام والمتع .. هل هي نظريات ثَبُت فشلها الآن !!
-       وأين ما صبته السماء من نيرانها وما أخرجته الأرض من وشيها وما تغنت به الطير من أغاريدها وما صح وما فسد ، وما ضر وما نفع ،وماصدق وما كذب ؛ في كل لحظة تمتلئ الدنيا لتفرغ ثم تُفرغ لتمتلئ وماضيها ومستقبلها مطرقتان يطحنان بالموت كل مار بينهما .
-       (ساخراً ) لقد رفعت الآن من معنوياتي حتى لتكاد تلامس فلك الثُريا !!
-       أيها المغرور ؛ ما أراك إلا دائباً في طلب الحياة حتى تكاد تفقدها من شدة الطلب ؛ فإياك و إياها .
-       إيّاي و إيّاها !!!
-       نعم ؛ لا تأخذ معنى الحياة من نفسك فإن لنفسك أغراضاً تريد أن تكون هي الحياة ؛ ولا تأخذه من الأحياء فإن فيهم أغراض نفسك ؛ ولا من عمرك القصير .
-       ألم أقل لك ؛ وحده الغد من آخذُ منه معنى الحياة .. لابد لي من لقاء معه .
-       لا ؛ بل خذ معنى الحياة من القبور التي تملأ الرُحب والأفواة الصامتة التي لا تكذب ؛ واسمع للحياة إن كنت تعرف لغتها أو اسمع للموت الذي يعرف كل حي لغته .
-       أسمع للموت !!
-       تماما ؛ كما تقول .
-       أخطأتُ لما توهمتُ أني سآخذُ منك معنى الحياة ومُتعها ؛ لابد لي من لقاء مع الغد أستمد منه روح الحياة ومعناها ، فإلى اللقاء أيها الأمس المتشائم .أقسم أنه لا فائدة من مناقشة ( أمس ) مضى !!

أيمن فتحي علواني