قَلمْي ..
لقد غفلتُ الآن عن نفسي هُنيهةً أو هي غفلت عني بعد عناء يوم طويل ؛ فما نبهني سوى صوت اضطراب في غرفتي انتفض له قلبي وارتعدت منه فرائسي ؛ وما أسرع ما اجتمعت أشتاتُ الحياة التي توزعْتها الآمال والأحلام والكوابيس خلال نومي وانغمست في بقايا هذا الجسد المنهك لتعود سيرتها الأولى على وجهة الحياة ...
- من هنا ؟؟!!
-
قلمك .
- قلمي !!
-
نعم أنا قلمك الذي هجرته حتى نسيته .
- وماذا تفعل في هذه الساعة أيها القلم الصغير المُتعِب .
-
جئت إليك فقد مللت أدراج مكتبك الذي هجرته هو الآخر كما هجرتني وهجرت
أفكارك و أوراقك .
- يبدو أنك تود الثرثرة وأنا في حال يُرثى لها من التعب والإرهاق .
-
بل انهض فوراً واطرح اوراقك والتقطني و أرني تجلياتك التي عودتني
عليها ؛ فقد اشتقت إلى فنك وإبداعك .
- (متثائباً ) قريبا
جدا إن شاء الله و لكن دعني الآن ؛ ألا ترى أني أتثائب وأكاد أهذي من شدة التعب .
-
هذا هو ما اريده تماماً منك ؛ أن تهذي و أن تنطلق من هذيك إلى أفكارك
في رحلتك المعهودة ؛ ثم تعود من رحلتك هذه لتصوغ أفكارك في شيئ أشبه باللوحة يتألق
عليها جوهر الموضوع .
- رحماك يارب ! أَفَرَغت السماء من الرجوم فلم يبق فيها رَجْمٌ يسقط على
هذا القلم القزم الُمزعج ؟؟!!
-
إذن ؛ عزاءاً عزاءاً على أفكارك وسنوات خلت كنت أنت فيها في الإبداع
الألف والباء.
- حذار أيها القلم ؛ لا تنسى أني كتبت من الأفكار أكثر عدداً من تراب
قبري و يشهد تآكلك وقِصرك على صدقي ولكن أما وإني الآن في هذه السن المتقدمة فقد
آن لي أن أرتاح وبحسبي ما مضى .
-
لكن أفكارك لم تجف ورأسك لم يمت .
- بل ماتت رغبتي في الكتابة .
-
لكن عهدي بك أن أفكارك وكلماتك تُحيي أرواح الكثير من قارئيك .
- أنت تغريني أيها القلم !!
-
بصراحة ؛ نعم أُغريك ؛ ولكن هذا دوري و دورك أنت أن تكتب .
- ولكن ما مصلحتك أنت أيها القلم ؟
-
مصلحتي هي حياتي ؛ إن لي أنفاس معدودة وعمر محدود أوشك أن ينتهي .
- مصلحة شخصية يعني ؟؟
-
تماماً .
- حسناً من أجلك أنت أولاً يا صديقي القديم و حتى تنتهي حياتك على كتابة
كلماتي سأنهض حتى أكتب .
-
شكراً على ذوقك العالي و إحساسك بالمسؤلية .
- حسناً ؛ جائتني فكرة رائعة للكتابة .
-
؛ لديك فكرة .؟ اطرحها فوراً
... ولكن حذار أن تُطيل فإني لم تعد بي
قدرة على مجاراتك كما الماضي فقد تآكلت و أُوشك أن أموت .
- سأُراعي عمرك القصير يا صديقي القديم .
-
حسناً ؛ و لكن عماذا ستكتب وما هي فكرتك ؟
- عنك أنت .
-
ماذا تعني ؟؟!
- لقد ساهرتني أيها القلم لتحادثني، وكم ناجيتك لأستخرج الفكر من نفسي وقد
نجحتَ في أن تبُث في نفسي الحماسة من جديد ؛ فمن أحق بالكتابة عنه والثناء عليه
منك أنت ؟
-
شكراً لله الذي أراني نُبلك القديم من جديد قبل أن أموت .
- سوف لن أسلمك في يد الغيب إلا مع آخر نَفس من أنفاسك؛ ومع ذلك فإني
سأحرص على أن أجعله كأنه نفس من حياتك في الآخرة تعيش على ذكراه .
-
جزيل الشكر لك ؛ تفضل
بالكتابة ..
-
حسناً ؛ سأكتب
...
" قلمي الحبيب في البداية أرجو من الله أن يُطيل
أنفاسك ..."
-
( مقاطعاً ) و أنا أرجوك أن
تختصر المقدمات .. أُوشك أن أموت .
-
لا تقلق ؛ الأعمار
بيد الله ..." قلمي الحبيب في البداية أرجو
من الله أن يُطيل أنفاسك و أن يرزقك حسن المنقلب في الحياة الآخرة و أن ... "
-
(مقاطعاً ) أني أموت بين يديك و
أنت لازلت في سياق الدعاء !!
- لا تخاف سوف أدخل في الموضوع الآن .
-
أرجوك !
- " قلمي الحبيب في البداية أرجو من الله أن يُطيل أنفاسك و أن
يرزقك حسن المنقلب في الحياة الآخرة و أن يجعل حسناتي وحسناتي في ميزان أعمال
سيادة الرئيس راعي الثقافة في بلدنا ... أما بعد "
وهنا كان قلمي قد جاد بأخر أنفاسة النبيلة ؛ و أصبح
بين يدي في مقدار عقلة الأصبع التي توشك ألا تُرى و لا تُمسك ... ؛ لقد رحل قبل أن
أكتب في مدحه كلمة ؛ أتُراه رحل راضياً عني و عن نيتي الطيبة ؛ أم تراه رحل آسفاً
على نفاقي مع السيد الرئيس ؟؟
لكنه على كل حال رحل ؛ ولم يخرج مني بغير دعائي له بأن يرزقه الله حُسن المنقلب ؛ رحل و لم يظفر مني طوال حياته بغير تقصيفي له كل فتره حتى مات ...
لكنه على كل حال رحل ؛ ولم يخرج مني بغير دعائي له بأن يرزقه الله حُسن المنقلب ؛ رحل و لم يظفر مني طوال حياته بغير تقصيفي له كل فتره حتى مات ...
لقد رحل وقد زرع بداخلي من قديم الرغبة في الإبداع ثم
جددها فيّ بعد طول معاناة .
هكذا كُتب على القلم أنه من تولاه فإنه يدعه على روح غير
روحه ، فمهما يصيبه من لذةٍ أو ألمٍ فإنهما يتحولان معه إلى اللذة والألم جميعا فيكون
" الألم اللذيذ " .
" الألم اللذيذ " .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
يسعدني مشاركتك وإبداء أرائك في هذه المساحة