الثلاثاء، 23 أكتوبر 2012

قلمي .. !


قَلمْي ..


لقد غفلتُ الآن عن نفسي هُنيهةً أو هي غفلت عني بعد عناء يوم طويل ؛ فما نبهني سوى صوت اضطراب في غرفتي انتفض له قلبي وارتعدت منه فرائسي ؛ وما أسرع ما اجتمعت أشتاتُ الحياة التي توزعْتها الآمال والأحلام والكوابيس خلال نومي وانغمست في بقايا هذا الجسد المنهك لتعود سيرتها الأولى على وجهة الحياة ...
-       من هنا ؟؟!!
-       قلمك .
-       قلمي !!
-       نعم أنا قلمك الذي هجرته حتى نسيته .
-       وماذا تفعل في هذه الساعة أيها القلم الصغير  المُتعِب .
-       جئت إليك فقد مللت أدراج مكتبك الذي هجرته هو الآخر كما هجرتني وهجرت أفكارك و أوراقك .
-       يبدو أنك تود الثرثرة وأنا في حال يُرثى لها من التعب والإرهاق .
-       بل انهض فوراً واطرح اوراقك والتقطني و أرني تجلياتك التي عودتني عليها ؛ فقد اشتقت إلى فنك وإبداعك .
-       (متثائباً ) قريبا جدا إن شاء الله و لكن دعني الآن ؛ ألا ترى أني أتثائب وأكاد أهذي من شدة التعب .
-       هذا هو ما اريده تماماً منك ؛ أن تهذي و أن تنطلق من هذيك إلى أفكارك في رحلتك المعهودة ؛ ثم تعود من رحلتك هذه لتصوغ أفكارك في شيئ أشبه باللوحة يتألق عليها جوهر الموضوع .
-       رحماك يارب ! أَفَرَغت السماء من الرجوم فلم يبق فيها رَجْمٌ يسقط على هذا القلم القزم الُمزعج ؟؟!!
-       إذن ؛ عزاءاً عزاءاً على أفكارك وسنوات خلت كنت أنت فيها في الإبداع الألف والباء.
-       حذار أيها القلم ؛ لا تنسى أني كتبت من الأفكار أكثر عدداً من تراب قبري و يشهد تآكلك وقِصرك على صدقي ولكن أما وإني الآن في هذه السن المتقدمة فقد آن لي أن أرتاح وبحسبي ما مضى .
-       لكن أفكارك لم تجف ورأسك لم يمت .
-       بل ماتت رغبتي في الكتابة .
-       لكن عهدي بك أن أفكارك وكلماتك تُحيي أرواح الكثير  من قارئيك .
-       أنت تغريني أيها القلم !!
-       بصراحة ؛ نعم أُغريك ؛ ولكن هذا دوري و دورك أنت أن تكتب .
-       ولكن ما مصلحتك أنت أيها القلم ؟
-       مصلحتي هي حياتي ؛ إن لي أنفاس معدودة وعمر محدود أوشك أن ينتهي .
-       مصلحة شخصية يعني ؟؟
-       تماماً .
-       حسناً من أجلك أنت أولاً يا صديقي القديم و حتى تنتهي حياتك على كتابة كلماتي سأنهض حتى أكتب .
-       شكراً على ذوقك العالي و إحساسك بالمسؤلية .
-       حسناً ؛ جائتني فكرة رائعة للكتابة .
-       ؛ لديك فكرة .؟ اطرحها فوراً ... ولكن حذار  أن تُطيل فإني لم تعد بي قدرة على مجاراتك كما الماضي فقد تآكلت و أُوشك أن أموت .
-       سأُراعي عمرك القصير يا صديقي القديم .
-       حسناً ؛ و لكن عماذا ستكتب وما هي فكرتك ؟
-       عنك أنت .
-       ماذا تعني ؟؟!
-       لقد ساهرتني أيها القلم لتحادثني، وكم ناجيتك لأستخرج الفكر من نفسي وقد نجحتَ في أن تبُث في نفسي الحماسة من جديد ؛ فمن أحق بالكتابة عنه والثناء عليه منك أنت ؟
-       شكراً لله الذي أراني نُبلك القديم من جديد قبل أن أموت  .
-       سوف لن أسلمك في يد الغيب إلا مع آخر نَفس من أنفاسك؛ ومع ذلك فإني سأحرص على أن أجعله كأنه نفس من حياتك في الآخرة تعيش على ذكراه .
-       جزيل الشكر  لك ؛ تفضل بالكتابة ..
-       حسناً ؛ سأكتب ... " قلمي الحبيب في البداية أرجو من الله أن يُطيل أنفاسك ..."
-       ( مقاطعاً ) و أنا أرجوك أن تختصر المقدمات .. أُوشك أن أموت .
-       لا تقلق ؛ الأعمار بيد الله ..." قلمي الحبيب في البداية أرجو من الله أن يُطيل أنفاسك و أن يرزقك حسن المنقلب في الحياة الآخرة و أن ... "
-       (مقاطعاً ) أني أموت بين يديك و أنت لازلت في سياق الدعاء !!
-       لا تخاف سوف أدخل في الموضوع الآن .
-       أرجوك !
-       " قلمي الحبيب في البداية أرجو من الله أن يُطيل أنفاسك و أن يرزقك حسن المنقلب في الحياة الآخرة و أن يجعل حسناتي وحسناتي في ميزان أعمال سيادة الرئيس راعي الثقافة في بلدنا ... أما بعد  "
وهنا كان قلمي قد جاد بأخر أنفاسة النبيلة ؛ و أصبح بين يدي في مقدار عقلة الأصبع التي توشك ألا تُرى و لا تُمسك ... ؛ لقد رحل قبل أن أكتب في مدحه كلمة ؛ أتُراه رحل راضياً عني و عن نيتي الطيبة ؛ أم تراه رحل آسفاً على نفاقي مع السيد الرئيس ؟؟
لكنه على كل حال رحل ؛ ولم يخرج مني بغير دعائي له بأن يرزقه الله حُسن المنقلب ؛ رحل و لم يظفر مني طوال حياته بغير تقصيفي له كل فتره حتى مات ...
لقد رحل وقد زرع بداخلي من قديم الرغبة في الإبداع ثم جددها فيّ بعد طول معاناة .

هكذا كُتب على القلم أنه من تولاه فإنه يدعه على روح غير روحه ، فمهما يصيبه من لذةٍ أو ألمٍ فإنهما يتحولان معه إلى اللذة والألم جميعا فيكون
 " الألم اللذيذ " .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

يسعدني مشاركتك وإبداء أرائك في هذه المساحة